تفاصيل المدونة

نظرة قريبة إلي المدير

حين نتطلع إلى الشركات الناجحة دوليا وربما أيضا محليا، تتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة عن المدير ودوره في تحقيق الأهداف، وما الفرق بين مدير ناجح وآخر لم يستطع القيام بدوره لسبب ما يتعلق به أو قد يكون لأسباب خارجة عن إرادته. ولدينا أمثلة من الواقع مثل بيل جيتس الذي ترك إدارة الأعمال لصديق له لديه هذه الإمكانية وتفرغ هو للعمل الفني الابتكاري. ورأينا أيضا فيلما لروبرت دي نيرو هو The Intern يدور حول فتاة أنشأت شركة وأنجحتها في فترة بسيطة نسبيا وطلب منها المساهمون أن تستعين بأحد المتخصصين لإدارتها والتفرغ للعمل الفني، وانتهى الفيلم بأنها اكتشفت بأن الأفضل لها وللشركة أن تبقى هي على رأس الفريق الإداري للشركة لأنها تعلم الخبايا ولديها الإمكانات للاستمرار. فما الفرق بين الحالتين؟ وما هو المتبع في شركاتنا ومؤسساتنا؟ لماذا تنجح شركات وتفشل أخرى؟ الإجابة هي "المدير" بلا شك.
الكثيرون من المرؤسين يقعون في فخ عدم تقدير دور المدير، كما وأن بعض من يتولوا مناصب في الإدارة الوسطى أو حتى العليا قد لا يعلمون الدور المطلوب منهم. فمن هم المديرون وماذا يفعلون ؟ كيف نجح البعض منهم في تحقيق إنجازات بينما يفشل آخرون ؟ هل الإدارة موهبة توجد لدي الناس ويحرم منها آخرون؟ أو أن الإدارة أسس ومبادئ وأساليب يمكن تعليمها؟ هل تكتسب القدرات الإدارية بالممارسة (بالتجربة والخطأ ) أم يتم تعلمها بالتدريب والتعليم المنظم؟
دعنا نحاول معا الوصول إلي بعض المعلومات المفيدة التي تساعد علي الاقتراب من المدير والتعرف عليه. نسرد هنا بعض صفات المدير الناجح من واقع قياسات وتجارب فعلية.
• المدير الناجح هو شخص له قدرات ومواهب متميزة بلا شك .
• المدير الناجح لا يبدد جهده في الأمور قليلة الأهمية ولا يمارس عمله بطريقة عشوائية .
• المدير الناجح يعتمد علي مجموعة من الأساليب العلمية ( المجربة ) المصممة لاستخدام المديرين.
• لا يعتمد المدير الناجح علي مجرد حسن الحظ أو كما نقول ( ضربة حظ ) بل هو يحقق نجاحه بالعمل الدائب والتخطيط الجيد والمتابعة والمثابرة وتنمية الذات باستمرار وبالحرص على الاستزادة من المعلومات والمعارف ورفع المهارات الذاتية.
• إن أهم سمات المدير الناجح هي القدرة علي تقدير الظروف المحيطة وحساب احتمالات النجاح أو الفشل ثم اتخاذ القرار الأنسب . ومن هنا فيمكن اعتبار أن نجاح المدير هو نتيجة للحساب والتقدير وليس مجرد حدث طارئ عفوي .

نورد فيما يلي أراء مفيدة للمدير القيادي، جديد أو قديم:
- حين تتولى منصبا جديدا، تجنب إحداث تغييرات سريعة . التغيير إذا كان أمراً محتما يجب أن يكون محسوبا ومعداُ له، مع الوضع في الاعتبار توقع رفض التغيير من قبل المرؤسين سواء بسبب رضاهم عن الوضع الحالي ورغبتهم في استمراره، أو عدم تقبلهم الفكر الجديد وعدم استيعابهم لضرورة التغيير.
- لقاء المرؤوسين والاجتماع بهم لتحديد الأهداف بمشاركتهم وتعريفهم بأسلوب العمل .فقد أثبتت التجارب العديدة أن اللقاءات الدورية بالمرؤسين تدفعهم للتفكير في التطوير وتحفزهم للمشاركة بمقترحات تناسب المؤسسة وظروفها وبيئة العمل بصورة أشمل وأوقع.
- الإنصات لآرائهم والآخذ بما يصلح منها مع مناقشتهم وإقناعهم برأيك في حالة العكس. فالإنصات يعني إعمال العقل فيما يقال للخروج بالمعاني الفعلية المقصودة من وراء الحديث.
- عدم تفضيل أحدهم عن الآخرين إلا بسبب الكفاءة. وهو السبب الوحيد المقبول التمسك به وتبيانه للجميع للحصول على تأييدهم لقرار التفضيل سواء عند اتخاذ قرار ترقية أو نقل أو حتى تحميل مسئولية جديدة أو إضافية.
- إمتدح في العلن وانتقد على انفراد وكن موضوعياُ في الحالتين. فالمدح والنقد كلاهما يسببان ردود أفعال، إيجابية أو سلبية، ليست عند الشخص الموجه له المدح أو النقد فقط، بل عند زملائه ومرؤسيه ورؤسائه أيضا. وكلما يكون المدح أوالنقد موضوعيا كلما زاد من فرص تقبله والعمل في إطار ما جاء به.
- تقبل فكرة أن هناك أخطاء لأنها من طبيعة البشر بصفة عامة. وهنا يجب أن نفرق بين أن نتقبل "فكرة" أن يكون هناك أخطاء، وأن نتقبل "الخطأ" ذاته. فالأخير يعني أنه لا عقاب وأنها دعوة للاستمرار في ارتكاب الأخطاء. نقبل أن الخطأ وارد، لكن لا نقبل الخطأ ذاته. ودورك كمديرهو بيان الخطأ وأسبابه ونتائجه والعمل على تجنبها أو حلها أو تجنبها مستقبلا.
- كن واثقا من نفسك واتخذ قراراتك بدون تردد وبناء على المعلومات المؤكدة المتاحة والممكنة، وفي الوقت المناسب. وعند اتخاذ القرار الخاطئ، ابحث عن السبب وعن المعلومة التي بناء عليها اتخذت القرار. وابحث أيضا عن مصدر المعلومة لتتأكد مدى قدرة معطيها على التفريق بين المعلومة الصحيحة والخاطئة. وربما أيضا عن قدرته على توصيل المعلومة في الوقت المناسب.
- إعمل على إزالة الخط الوهمي بينك وبين مرؤوسيك. وهو الخط غير المرئي الذي قد تفرضه الظروف أو يفرضه المرؤسين ذاتهم بينك وبينهم بغرض تجنب اللوم أو المواجهة. ولا يجب أن يعني ذلك فقدان القدر المطلوب من الاحترام الواجب بين الطرفين، رئيس ومرؤوس.
- ضع في حسبانك دائما أن المرؤوسين زملاء وليسوا تابعيين. وهو ما يتطلب الحرص أثناء توجيه الأوامر والتعليمات وإبداء النقد، وكذا عند توزيع الأعباء والمهام. الزميل هو شخص يمكنك الاعتماد عليه في تنفيذ هذه التعليمات، أما التابع فهو شخص يظل دائما في انتظار أوامر وتعليمات دون إعمال العقل فيما يصدر من أوامر.
- عند توليك مسئوليات قيادية أو إشرافية جديدة، غير من أسلوبك فما كان يصلح وأنت مرؤوس لا يصلح وأنت قائد. المرؤوسين عامة يجب أن يشعروا بصفات القيادة في تصرفاتك اليومية. كما يجب أن يحترموا وصفك الجديد ويتفهموا أن هناك أعباء تحملتها في منصبك الجديد تتطلب منك إعادة وزن الأمور وربما أيضا العلاقات وحدودها.
- كن عادلا وحاسما. فالعدل يتطلب منك المساواة في توزيع الأعباء والمسئوليات والسلطات وأيضا في منح المكافآت والحوافز وربما العقاب أيضا. والحسم مطلوب أيضا وبشدة عند اتخاذ قرارات قد ينتج عنها تغييرات مصيرية أو حيوية.
- إحرص على أن تكون جيد الاتصال مع رؤسائك وزملائك ومرؤسيك. وتمكن من مهارات الاتصال مثل الحديث والإنصات والإقناع وتلقي ردود الأفعال وطلبها وإبدائها. تحكم في عواطفك ولا تدعها تؤثر على قراراتك.
- حاور مرؤسيك وساعدهم على حل مشاكلهم في العمل وخارجه إن استطعت. فالحوار هو أمر ينمي العلاقات ويدفعها إلى مصاف العلاقات السليمة بين أطراف العمل وأعضاء الفريق الواحد.
- إحرص على نشر ثقافة الانتماء للمؤسسة أولا ثم ولائك لمرؤسيك. فقد يتوقع البعض منهم أن تميل إلى صالحهم وتبديها على صالح العمل. وقد يعاتبوك في بعض الأحيان لأنك قد وقفت بجانب قرار الإدارة العليا ضد ما قد يرون أنه صالحهم وأن وقوفك بجوارهم أولى. كن همزة الوصل التي تفسر أسباب القرارات ولا تلجأ لأن تفرضها فرضا دون حوار أو نقاش أو تفسير.
- يجب ان تفكر في منح الحوافز المعنوية أولا ثم الحوافز المادية. فالحوافز المعنوية تمتد لفترات طويلة وتأثيرها أعم وأشمل. وهذا بالطبع لا يجب أن يغفل أهمية الحوافز المادية وإن كان أثرها قصير ينتهي بانتها القيمة المادية.
نصائح لتنمية المهارات الإدارية :
- اعمل على تحديد وتنمية مهاراتك الذاتية تطلعا للتميز الوظيفي وتمهيدا للترقية التالية. وضع لنفسك برنامج تطوير للقدرات والمهارات وربما تعديل السلوكيات.
- نظم الوقت بتحديد المطلوب منك يوميا مع ترتيب الأعمال طبقا للأهمية واهتم بعملك مهما كان صغيرا .
- نمي مهارات صياغة الرسائل والتقارير والمذكرات لديك لأنها تعطي للآخرين انطباعا جيدا عن قدراتك وجداراتك وكفاءتك.
- حضر نفسك للاجتماعات واللقاءات ، وكن هادئا أثناءها ديمقراطيا في الأخذ بالرأي والاستماع للرأي الآخر خاصة مع المرؤوسين. وامنح نفسك فرصة للتخطيط لهذه اللقاءات وتحديد أهدافها ودراسة أسباب نجاحها أو فشلها.
- لا تدع الأحداث تتحكم فيك. يقول ستيفن كوفي: يمكنك التحكم في 90% مما يجري حولك.
وأخيرا وليس آخرا فهناك مقولة أنه ليس كل الأعمال محبوبة فبعضها بها ما أحبه وبعضها لا ولكن على أداؤها. والمعنى أن هناك قرارات علي أن أتخذها كمدير قد لا تروق لي وقد لا تعجب المرؤوسين ، لكن علي أن أتخذها. الأهم هو أن أجيد تفسيرها لهم وإقناعهم بها عن طريق الحوار المستمر رسميا وغير رسمي.