تفاصيل المدونة

التربية البيئية مفهومها وملامح تطورها

وإن كانت عبارة التربية البيئية حديثة العهد نسبياً، إلا أن أصولها تظهر من خلال التعاليم الدينية والعلوم الجغرافية والطبيعية وعلم الأحياء منذ قيام الحضارة الإنسانية. فمنذ نحو (2500) سنة كتب علماء الاغريق عن العلاقة بين الإنسان والبيئة المحيطة به، وكيف أن الإنسان بسلوكه وأفعاله يمكن أن يؤثر سلبا او إيجابا في هذه البيئة. وقد اكتسبت التربية البيئية أهمية كبرى فى بداية السبعينيات من القرن الماضى نتيجة لظهور العديد من المشكلات البيئية التى أثرت وتؤثر بعمق فى حياة الإنسان. وقد تعددت الآراء حول مفهوم التربية البيئية، ويجمع الكثيرون من المتخصصين أن التربية البيئية ليست مجرد تدريس المعلومات والمعارف المرتبطة بالمشكلات البيئية فحسب ولكنها تواجه طموحا أكثر من ذلك. ويذكر الباحثون أن الاهتمام بالتربية البيئية يتمثل فى جانبين، أولهما إيقاظ الوعى الناقد للعوامل الاقتصادية والتقنية والسياسية والأخلاقية الكامنة فى جذور المشكلات البيئية، وثانيهما تنمية القيم الأخلاقية التى تحسن من طبيعة العلاقة بين الإنسان والبيئة.
وللتربية البيئية أكثر من تعريف، حدد برنامج اليونسكو تعريف التربية البيئية بأنها "عملية تهدف إلى توعية سكان العالم بالبيئة الكلية، وتقوية اهتمامهم بها، والمشكلات المتصلة بها، وتزويدهم بالمعلومات والحوافز والمهارات التي تؤهلهم أفراداً وجماعات، والعمل على حل مشكلات البيئة والحيلولة دون ظهور مشكلات جديدة، وتكون هذه العمليات مستمرة وتكون متواصلة لبناء هذه البيئة".
ولقد وضع الإسلام الإطار العام لقانون حماية البيئة في قوله جلَّ جلاله ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ، وقال جلَّ شأنه ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾، ، وقال تعالى ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) صدق الله العظيم. ومن دلائل القرآن الكريم على الاهتمام بالبيئة أن نجد عددا من سوره تسمى بأسماء للحيوانات والحشرات وبعض النباتات والمعادن وبعض الظواهر الطبيعية.
وقد اهتمت السنة النبوية المطهرة بالبيئة وعناصرها، فقد وردت الكثير من الأحاديث النبوية التي تلفت نظر الإنسان إلى الاهتمام بأمر البيئة. وتعرف التربية البيئية في الإسلام بأنها "النشاط الإنساني الذي يقوم بتوعية الأفراد بالبيئة وبالعلاقات القائمة بين مكوناتها، وبتكوين القيم والمهارات البيئية وتنميتها على أساس من مبادئ الإسلام وتصوراته عن الغاية التي من أجلها خلق الإنسان، ومطالب التقدم الإنساني المتوازن". وفى هذا التعريف للتربية البيئية من منظور إسلامي يجب أن يكون هناك تفاعل إيجابي بين الإنسان والبيئة، وأن يكون ذلك التفاعل شاملا ولا يقتصر على زمان أو مكان معين، وليصبح جهد الإنسان موحدا وموظفا توظيفا حضاريا وتاريخيا في ضوء العقيدة الإسلامية. إن التراث الإسلامي سبق في وضع تشريعات محكمة لرعاية البيئة وحمايتها من آفات التلوّث والفساد ورسم منهجها في مبدأين هما: درء المفاسد وجلب المصالح وبذل الجهود التي من شأنها أن تحقق ذلك. وقد تناول علماء الحضارة الإسلامية المشكلات البيئية في أجزاء أو فصول من مؤلفاتهم. ولم يقف الأمر عن هذا الحد، حيث نجد من بين علماء المسلمين من رأى ضرورة معالجة الموضوع في كتاب مستقل ليؤكد أهميته في حياة الناس على مر العصور، فقد صنف محمَّد بن أحمد التميمي في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كتابا كاملا عن التلوّث البيئي وأسبابه وآثاره وطرق مكافحته والوقاية منه، وجعل عنوانه "مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء".
ولأهمية التربية البيئية فى تنمية الوعى وإثارة الاهتمام لدى المواطنين فى جميع أنحاء العالم نحو المشاكل البيئية وتزويدهم بالمعارف والميول والاتجاهات والمهارات اللازمة للمساهمة فى حل هذه المشكلات والحد من خطورتها، فقد نوقش مفهوم التربية البيئية فى العديد من المؤتمرات والندوات سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية فى جميع أنحاء العالم. وفى هذا الإطار:
• أوصى مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية باستكهولم (السويد 1972) المجتمع الدولى بمجموعة من الإجراءات وذلك بأن تتولى الوكالات التابعة للأمم المتحدة، ولاسيما اليونسكو، إتخاذ التدابير اللازمة لوضع برنامج دولى لعدة فروع علمية للتربية البيئية سواء فى المدرسة أو خارجها، على أن تشمل جميع مراحل التعليم وموجهة للجميع، بهدف تعريفهم بما يمكن النهوض به من جهود بسيطة فى حدود الإمكانات المتاحة لهم لإدارة شئون البيئة وحمايتها.
• أقرت ورشة عمل بلغراد (صربيا حاليا 1975) ميثاقا صاغه مجموعة من الخبراء العالميين المختصين بالتربية البيئية مفهومه أن هدف التربية البيئية تكوين مواطنين لهم الوعى والاهتمام بالبيئة بصفة عامة وبالمشكلات المرتبطة بها بوجه خاص ليكون لديهم المعرفة والاتجاهات والدوافع والالتزامات والمهارات للعمل فرادى أو جماعات لإيجاد حلول للمشكلات القائمة ومنع حدوث مشكلات جديدة.
• عقدت عدة ندوات إقليمية مرتبطة بورشة عمل بلغراد منها ندوة برازافيل (الكونغو – سبتمبر 1976) لمجموعة الدول الإفريقية و ندوة الكويت (نوفمبر 1976) لمجموعة الدول العربية.
• تبنى مؤتمر تبليسى (جورجيا 1977) مفهوم البيئة بأنها عملية إعادة توجيه وربط لمختلف فروع المعرفة والخبرات التربوية بما ييسر الإدراك المتكامل للمشكلات ويتيح القيام بأعمال عقلانية للمشاركة فى مسئولية تجنب المشكلات البيئية والارتقاء بنوعية البيئة.
• أقر تعريف التربية البيئية فى اجتماع هيئة برنامج الأمم المتحدة للبيئة بباريس (1987) بأنها العملية التعليمية التى تهدف إلى تنمية وعى المواطنين بالبيئة والمشكلات المتعلقة بها وتزويدهم بالمعرفة والمهارات والاتجاهات وتحمل المسئولية الفردية والجماعية تجاه حل المشكلات المعاصرة والعمل على منع ظهور مشكلات جديدة.
• وضعت مسودة لخطة عمل دولية فى المؤتمر الدولى للتربية البيئية والتدريب البيئى بموسكو (أغسطس 1987). تدور خطة العمل حول تسعة أهداف لتعزيز التربية البيئية من خلال تعزيز النظام الدولى للإعلام وتبادل الخبرات فى مجال التربية وتعزيز البحوث والتجارب فى مجال محتوى التعليم وطرائقه وإستراتيجيته وتضمين التربية البيئية فى مناهج التعليم والتدريب وتعزيز الثقافة والإعلام فى مجال البيئة.
• أكد مؤتمر "قمة الأرض" الذى عقد بمدينة ريودى جانيرو 1992 على أهمية تحقيق الوعى البيئى والإنمائى لجميع فئات الشعوب وتشجيع ادخال مفاهيم البيئة والتنمية فى جميع البرامج التعليمية. وأوصت القمة بعدد من التوصيات التى سميت بأجندة (21) على اعتبار أنها وردت فيما يسمى بجدول أعمال القرن الحادي والعشرين.
• أكد مؤتمر الإدارة والتكنولوجيات البيئية الذى عقد بالقاهرة 2001 على أهمية التوعية والتعليم البيئى.
• المؤتمر العالمي للتربية البيئية ويُعقد بشكل دوري منذ سنة 2003 بهدف تشجيع تبادل الأفكار والخبرات والمقترحات خلال الندوات وبناء مجتمع عالمي للبحث ولتطبيق التربية البيئية والتنمية المستدامة.
• وفي هذا الاطار، أيضا، قدمت منظمة الأيزو منذ عام 2007 برنامجا موجه لتربية وتعليم الاطفال تحت اسم "The Kids' ISO 14000 Program"يهدف إلى إكسابهم قدرات في الإدارة الذاتية لتحسين وضعهم البيئي بانفسهم. وقد وضعت منظمة الأيزو عدة أهداف يحققها البرنامج : (تطوير الوعي البيئي بين الأطفال والناشئة، وتعليم الأطفال تنفيذ الإدارة البيئية المعتمدة على تطبيق المواصفة الدولية (ISO 14000) في منازلهم ومجتمعاتهم، وتعريفهم بقيمة المشاركة من (شبكات) مع أقرانهم بالمدارس والمجتمعات والدول الأخرى لجلب قوة العمل الجماعي إلى القضايا البيئية العالمية.
ومن ذلك فقد تطور مفهوم التربية البيئية من خلال عدة مراحل أكسبتها أهمية كبرى، وأدى ذلك إلى إمكانية تحديد مفهومها وإستراتيجيتها وأهدافها وارتباط ذلك بالتنمية المستدامة التى تمثل غاية أسمى. وكان من نتيجة هذا التطور زيادة الوعى البيئى والمعرفى وتنمية المواقف والاتجاهات وإتاحة الفرص لمشاركة الأفراد والجماعات بشكل إيجابى فى جميع مجالات البيئة والتربية البيئية.